هذه نصيحتي (التتمة )

رأيت ست الحسن والجمال تمشي إلى جوار الوزير , في ذيل الأمير , وقد اعتدت رؤية الأمير مع الوزير يشرفان على أمر البيع والشراء , وضبط الغش والتزوير .
فقلت في نفسي أما والله إني عثر الحال , لا أعلم لي مآل . ألا أعشق إلا بنت وزير أو أمير .
فمروا على التجار الكبار واشتروا أقمشة فاخرة , وعطور للدار , وفاكهة كثيرة وفُخار .
ثم تحركوا ناحيتي , وقد اقتربوا من دكاني وعندها زاد شوقي وحناني .
فقال الوزير في صوت يشبه الصفير : يا هذا زن لنا ما تأمرك به سيدتك ولا تبخس المكيال فيكون الجلد عاقبتك .
فقلت : سمعاً وطاعة يا سيدي .
فقالت في صوت يشبه نوح اليمام أو هديل الحمام : ضع لي ما عندك من الرمان والليمون , وزيت الزيتون .
فبعتها كل ما في دكاني , فأمرت لي بألف دينار , فأبيت أن أخذها وداورتها في الحوار فلما رأت فصاحتي وبياني , وإصراري على الأيمان ِ .
قلت في كيد معهود, وكأنها فهمت مرادي : سيدي الوزير هذا التاجر المسكين قدًم لنا معروفاً ويقول أنه يعرف من اللغة ضروباً وصروفاً فادعه إلى مأدبة عشاء نذبح له خروفاً , ونسمع منه ما يقول .
فقال الوزير : حسناً يا بنيتي
ثم أمرني أمرني أن آتي إلى العشاء في زيٍ ٍ يليق بمجالسة الوزراء
ففرحت بذلك أشد الفرح
فأسرعت بالذهاب إلى البزاز ( الخياط ) واكتريت منه بزة بعشرة دنانير , وتهيأت لمقابلة الوزير .
فلما أزفت الشمس بالرحيل , أغلقت دكاني وذهبت إلى داري وأطلقت العنان لخيالي , وتفكرت فيما سيكون من أمري وحالي .
وجاءني شيطاني وألقى في روعي أن اكتري عشرة صعاليك يهجمون على قصر الوزير , إذا سمعوا مني الصفير ثم أقاتلهم فاهزمهم الواحد تلو الآخر , فيكافئني الوزير بزواجي من ابنته وذاك أقل تقدير .
ثم إني عمدت إلى مجلس الصعاليك فاكتريت منهم عشرة , وقلت لهم على ما دار في بالي وتعهدت لهم بخلاصهم من عقاب الوالي .
ثم إني ذهبت إلى دار الوزير وقد مٌدت مائدة العشاء فأكلت حتى شبعت , ثم قمنا فغسلت يداي وتطيبت .
فأرسل الوزير إلى ست الحسن والجمال .
وما هي إلا بضع دقائق , ثم نزلت بنت الوزير , لها طلعة بهية , وقامة سوية , جمالها يتبدى في ابتسامة ثغرها , وعيونها التي كعيون المها .
ثم جاءت إلينا في صالة كبار الزوار وجلست في جلال ووقار ثم قالت أطرب آذننا ثم إننا _ إن أجدت _ نهبك عطاء من عندنا .

فقمت في ثبات وقلت في بداية مقالي :

سمعت من الحكماء قولهم :

يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل

ثم عرجت على قول الشاعر : .

والحادي يشدو صوته كأنما كروان في عش له ببستــــــــان

وساق إلىًّ حالتي لمــــــــــــا رآنـــي بعد الحزن جــــــــــــزلان

أيا بني مالك لعمر الــلـــــه طوفت في الفيافي والوديــــــان

أمن سـوء قـــد مــــسّــــــك فـالـدهر كما علـمت يومـــــــــان

لا يضرنك امرؤ بقوله إلـــى الــحق فاسع مادمت بهـــــــذان

رجاحة عقل وطيب العــود فاعـلم إنك من خير الأنــــــــــام

رأيت الحــــــادي قـد قــال مــــا فـيه نفعي وقيامـــــــــــي

فقلت يا صاحبـيّ تـمـهــلا لــست بباكيَ على أيامــــــــي

أنا الذي لما طلبت وُدَها تخلت عني بلاغتي وفصح بيانـــــــي

فضحتني عيناي رغم أني سجنت قلبي وأمسكت لسانــي

عطفت عليًّ وأشفقت لم تقل مسكين بل أرسلت الجفنـــان

ترنو إليَّ بلوعة غير مــرة وودت أن يصلها اهتزاز كيانـــــي

وقد آسيت ضعف قلبـــي ووجد نفســـي وشح لـسانــــي

ليتها تعرف من فـورهــا أني أحبها ولكنني خـــجـــــــلان

ذهبت للبادية أشكو علتي لـلقمر للنجم واللـــيل لاقانـــــي

في ليلة مقمرة أطلقت قدماي أُسائل قلبي ,أفكر بشـــآنــــي

فضللت الـــــطريق لمـــــا تـجمعت علي الأهوال فالأحـزان

الليل والنجم والقمر معاً درب لـلــمحـــــب والحيــــــــران

فلما انتهيت قلت بصوت أجش : .

آه على غدر الزمان وآه ...................... ملوكاً صاروا بعد عز خداما

آه من عزيز قوم ذل ........................ كان ملكاً عليهم أعواما

وما إن انتهيت حتى اقتحم الصعاليك المكان وأخذوا ما كان في الإمكان . ثم إني عمدت إلى سيفي وسعيت في طلبهم , وصرت اهزمهم الواحد نلو الآخر , حتى تداعوا جميعاً بالهزيمة وطرحوا أرضاً .

ثم قلت مواسياً الوزير _ وقد دب ً الرعب بين جنبيه _ أيقتحم بيت سيدي الوزير وانا خدمكم الفقير .

فقال الوزير والله إنك أحسنت فيما صنعت وأنقذت أرواحنا ولولاك لكنت هلكت .
ثم لأمر لي بدار وذهباً ولآلاف الدنانير ثم أسرعت قائلاً له مرادي ذاك الذي يقطن فؤادي .
فقال والله إنك أهل لمصاهرتي . ثم أخبر ست الحسن والجمال فرأيتها تبتسم ونظرت إليً بعين لا معة , ففهمت أنها اكتشفت حيلتي , ثم أومأت برأسها بالموافقة .
فصحت فرحاً وسررت بذلك أشد الفرح ., وقلت للوزير دعني أضرب رقاب هؤلاء الصعاليك ليكونوا عبرة لمن يعاديك .
ثم إني أخذتهم وأطلقت سراحهم .وتم لي ما أردت على أحسن حال وعشت في هناء وسرور
والآن يا بني ... سأذهب معك إلى بيت صاحبتك فاخبطها لك واتقين من العينة فليس الخبر كالمعاينة . وهذه نصيحتي

فقام عدنان وعانق جده

» هذه نصيحتي